الأربعاء، 29 مايو 2013

كيف خرج الخوارج عن الدين - الجهل بمقاصد الشريعة والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت – الشاطبي


  ألا ترى إلى أن الخوارج كيف خرجوا عن الدين كما يخرج السهم من الصيد المرمي ؟ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهم : بأنهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يعني ـ والله أعلم ـ أنهم لا يتفقهون به حتى يصل إلى قلوبهم لأن الفهم راجع إلى القلب ، فإذا لم يصل إلى القلب لم يحصل فيه فهم على حال ، وإنما يقف عند محل الأصوات والحروف المسموعة فقط ، وهو الذي يشترك فيه من يفهم ومن لا يفهم ، وما تقدم أيضا من قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا إلى آخره .



وقد وقع لابن عباس تفسير ذلك على معنى ما نحن فيه ، فخرج أبو عبيد في فضائل القرآن ، و سعيد بن منصور في تفسيره عن إبراهيم التميمي قال :خلا عمر ـ رضي الله عنه ـ ذات يوم ، فجعل يحدث نفسه : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد ؟ فأرسل إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة ـ زاد سعيد وكتابها واحد ـ قال ، فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين : إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه ، وعلمنا فيما أنزل ، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيما نزل ، فيكون لهم فيه رأي ، فإن كان لهم فيه رأي اختلفوا ، وقال سعيد :فيكون لكل قوم فيه رأي ، فإذا كان كذلك اختلفوا ، وقال سعيد فيكون لكل قوم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا . قال : فزجره عمر وانتهره عليفانصرف ابن عباس ، ونظر عمر فيما قال فعرفه ، فأرسل إليه وقال : أعد علي ما قلته . فأعاد عليه ، فعرف عمر قوله وأعجبه .

 وما قاله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هو الحق ، فإنه إذا عرف الرجل فيما نزلت الآية أو السورة عرف مخرجها وتأويلها وما قصد بها ، فلم يتعد ذلك فيها ، وإذا جهل فيما أنزلت احتمل النظر فيها أوجها . فذهب كل إنسان مذهبا لا يذهب إليه الآخر ، وليس عندهم من الرسوخ في العلم ما يهديهم إلى الصواب ، أو يقف بهم دون اقتحام حمى المشكلات ، فلم يكن بد من الأخذ ببادي الرأي ، أو التأويل بالتخرص الذي لا يغني من الحق شيئا ، إذ لا دليل عليه من الشريعة ، فضلوا وأضلوا .

ومما يوضح ذلك ما خرجه ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعا : كيف رأي ابن عمر في الحرورية ؟ قال : يراهم شرار خلق الله إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين . فسر سعيد بن جبير من ذلك ، فقال : مما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ويقرنون معها : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا : قد كفر ، ومن كفر عدل بربه ومن عدل بربه فقد أشرك ، فهذه الأمة مشركون فيخرجون فيقتلون ما رأيت ، لأنهم يتأولون هذه الآية . فهذا معنى الرأي الذي نبه عليه ابن عباس ، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل القرآن فيه .

وقال نافع : إن ابن عمر كان إذا سئل عن الحرورية ؟ قال : يكفرون المسلمين ، ويستحلون دماءهم وأموالهم ، وينكحون النساء في عددهن ، وتأتيهم المرأة فينكحها الرجل منهم ولها زوج ، فلا أعلم أحدا أحق بالقتال منهم .

 ---------------------------------
 الباب التاسع في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين

الاعتصام - أبو إسحاق الشاطبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع