عبد الحفيظ بن الحسن بن محمد الحسني العلوي، أبو المواهب: سلطان المغرب الأقصى.
ولد بفاس سنة 1280هـ (24 فبراير 1876)، ونشأ في قبيلة بني عامر في الجنوب الغربي من مراكش، تولى السلطنة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف من الهجرة. وخلع نفسه سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وكان فقيها أديبا.
وقد اقترن اسم السلطان المولى عبد الحفيظ بن الحسن الأول بمعاهدة فاس الموقعة في 30 مارس سنة 1912، المعروفة بمعاهدة الحماية الفرنسية للمغرب. وتدل الوثائق التاريخية والتصريحات الحفيظية على أن السلطان ذهب ضحية المؤامرة الاستعمارية ضد المغرب، وإنه وقع المعاهدة المذكورة تحت الضغط العسكري والإكراه الدبلوماسي من الجانب الفرنسي.
ثم ما لبث أن عزل نفسه عن العرش في 13 أغسطس من السنة نفسها ( 1330 ه). ويقول بعض مؤرخي أيامه من الفرنسيين: إنه ( كان عدواً لدوداً لمعاهدة الحماية، وحاربها طويلاً، ووضع إمامها العقبات، وانتهى ما كان بينه وبين المقيم العام الفرنسي ليوطي Lyautey من مناقشات، بإعلان استقالته، وتولي أخيه يوسف ) ورحل على طراد فرنسي إلى مرسيلية، ومنها ذهب إلى فيشي، ففرساي، وعاد إلى طنجة. وحج سنة 1913 م. ولما نشبت حرب 1914 استقر في إسبانية إلى سنة 1925 وقد حرمت عليه فرنسة العودة إلى بلاده. وأذنت له بالسفر إلى ( أنجان لو بان ) على أن يبتعد عن أي عمل سياسي، فانتقل إليها وأقام يتسلى بالصيد. وشرع في تأليف كتاب عن ( الإسلام ) ومات في معتزله هذا، فحمل إلى المغرب ودفن بفاس.
توفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة (1356هـ الموافق 24 أبريل 1937)(1).
من مؤلفاته:
بالرغم من انهيار الأوضاع السياسية فإنه ساهم في تنشيط الحركة العلمية وحركة التأليف والنشر خاصة. وفي هذا المجال طبع مؤلفاته الخاصة وهي:
- نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح
- كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع المتقولين الذين حادوا عن منهاج السنة و أحدثوا اعتقادات لم ترد عمن شرح الدين و السنة، في الرد على بعض المتصوفة.
- العذب السلسبيل في حلِّ ألفاظ خليل وهو عبارة عن شرح لغوي أدبي لخطبة مختصر الشيخ خليل ابن اسحق الجندي، وقد صدره بأبيات شعرية :
كتاب « السلسبيل» شفــــا عليلي *** ونيل المرتجى يشفــي غليلـي
وكنـز الفضـل من درر احتسـابي *** ومفتــاح المواهب من « خليل»
فبالنفـس النفيسة خذه ذخــــرا *** ونــورا فـي الهـداية عن دليل
- ومن مؤلفاته الأصولية : الجواهر اللوامع نظْم جمْع الجوامع، طُبع بفاس سنة 1327هـ.
- منظومة في مصطلح الحديث
- منظومة في القضاء: ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام.
كما أمر بطبع مؤلفات هامة تعتبر من أمهات مصادر الثقافة الإسلامية تذكرها فيما يلي:
- شرح الخطاب على مختصر خليل، وبهامشه شرح المواق.
- أحكام القرآن للقاضي ابن العربي
- الإصابة لابن حجر، وبهامشه الاستيعاب لابن عبد البر
- شرحا الأبي والسنوسي على صحيح مسلم
- المنتقى في شرح موطأ مالك لأبي الوليد الباجي
- بداية المجتهد لابن رشد الحفيد
- مشارق الأنوار للقاضي عياض
- الروض الأنف في السيرة النبوية للسهيلي
موقفه من المبتدعة
له من الآثار: 'كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع'. وهو عبارة عن رد على الطائفة التيجانية في زمانه، وقد تجنت هذه الطائفة على هذا الكتاب؛ فتجندت لتتبعه وشرائه من الأسواق ثم إحراقه، ولكن نجى الله منه بعض النسخ؛ فهي لا تزال إلى الآن، كما توجد منه نسخة في المكتبة الملكية بالرباط، وأخرى في مكتبة باريس.
ذكر فيه مقدمة حافلة في الحث على الاتباع وذم الرأي والابتداع، قال رحمه الله: إنما يلتمس رضى الله بكلامه وفروضه وسنة نبيه، لا يلتمس بالبدع وقول الزور على الله ورسوله، والزيادة في الدين ما ليس منه. أبهذا يلتمس رضى الله تعالى ونبيه؟ لا يلتمس بهذا أبدا.(2)
موقفه من المشركين
- قال: وقد قلت في شدة لرجل يوما يستغيث ببعض الأموات وينادي يا فلان أغثني: قل يا الله؛ فقد قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186]، فغضب، وبلغني أنه قال: إن فلانا منكر على الأولياء، وسمعت عن بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل، وهذا من الكفر بمكان. نسأل الله أن يعصمنا من الزيغ والطغيان.اهـ(3)
- وقال: وقد صح أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار»(4) إلخ، ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الخلق على كل خير أنه طلب من ميت شيئا، بل قد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول إذا دخل الحجرة النبوية زائرا: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف ولا يطلب من سيد العالمين عليه الصلاة والسلام أو من ضجيعيه المكرمين رضي الله عنهما شيئا، وهم أكرم من ضمته البسيطة، وأرفع قدرا من سائر من أحاطت به الأفلاك المحيطة.(5)
موقفه من الصوفية:
- قال في كشف القناع وهو يتكلم عن صلاة الفاتح عند التيجانيين: ومن زعمهم الفاسد أيضا أن صلاة الفاتح خصنا الله بها كما خصنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنها تسمو على كل العبادات، ومن أين للقائل أن صلاة الفاتح خصنا الله بها؟ فإن كان يريد اللفظ العربي فلا مزية لها على غيرها من الصلوات المخترعات، وإن أراد خصوصية شرعية فلا يجد لذلك سبيلا ولو قولا شاذا
وقد فصل في هذا الكتاب الماتع والسفر القيم كثيرا من ضلالات الصوفية بعامة والتيجانية على وجه الخصوص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأعلام (3/277) ومعجم المؤلفين (5/89).
(2) كشف القناع (ص.46).
(3) كشف القناع (ص.54).
(4) أخرجه: أحمد (5/353) ومسلم (2/671/975) والنسائي (4/399/2039) وابن ماجه (1/494/1547) عن بريدة رضي الله عنه.
(5) كشف القناع (ص.56–57).
المراجع :
- موقع دعوة الانبياء
- دعوة الحق - أسرار عن موقف المولى عبد الحفيظ من معاهدة فاس
- دعوة الحق - سلطان عالم شاعر