قال الله تعالى: ﴿ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ﴾. وقال مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس: الرق صحيفة. وقال الضحاك: الرق ورق.
وعن عبد الله بن عمر _ رضي الله عنهما _ ، قال: قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : (( لَا تُسَافِرُواْ بِالقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ. )) (أخرجه مسلم) ومن الواضح أنه لَمْ يَنْهَ أحدًا من السفر والقرآن في صدره، ولَمْ يَنْهَ عن قراءة القرآن في أرض العدو، وإنما أراد بقوله (( لَا تُسَافِرُواْ بِالقُرآنِ )): المكتوب من القرآن، وسماه رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قرآنًا.
وقال ابن مسعود _ رضي الله عنه _ : "يُسْرَى عَلَى القُرآنِ، فَلَا يَبْقَى فِي صَدْرِ رَجُلٍ وَلَا فِي مُصْحَفٍ شَيْءٌ!" قالوا له: وكيف يُسرى عليه ليلًا وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا؟ قال: "يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا، فَلَا يَبْقَى فِي صَدْرِ رَجُلٍ وَلَا مُصْحَفٍ شَيْءٌ!" ثم قرأ: ﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الإسراء : 86].
وقال علي _ رضي الله عنه _ : "رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرِ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ القُرآنَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ." (فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل)
وقال الإمام أبو حنيفة: _ رحمه الله تعالى _ : "وَالقُرْآنُ فِي المَصَاحِفِ مَكْتُوبٌ، وَفِي القُلُوبِ مَحْفُوظٌ، وَعَلَى الأَلْسُنِ مَقْرُوءٌ." (الفقه الأكبر)
وقول الإمام الشافعي _ رحمه الله _ : "مَا نَتْلُوهُ مِنَ القُرْآنِ بِأَلْسِنَتِنَا وَنَسْمَعُهُ بِآذَانِنَا وَنَكْتُبُهُ فِي مَصَاحِفِنَا يُسَمَّى كَلَامَ اللهِ." (الاعتقاد للبيهقي ص112)
وقال الإمام أحمد _ رحمه الله _ : "تُوَجِّهُ القُرْآنَ عَلَى خَمْسِ جِهَاتٍ: حِفْظٍ بِالقَلْبِ، وَتِلَاوَةٍ بِاللِّسَانِ، وَسَمْعٍ بِالأُذُنِ، وَبَصَرٍ بِعَيْنٍ، وَخَطٍّ بِيَدٍ." وشرح ذلك لمن استفسر، فقال: "القَلْبُ مَخْلُوقٌ، وَالمَحْفُوظُ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٌ، وَاللِّسَانُ مَخْلُوقٌ، وَالمَتْلُوُّ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالأُذُنُ مَخْلُوقٌ، وَالمَسْمُوعُ إِلَيْهِ غَيْرُ مَخْلُوقٌ، وَالعَيْنُ مَخْلُوقٌ، وَالمَنْظُورُ إِلَيْهِ مِنْهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ." (الإبانة لابن بطة)
وقال الإمام البخاري _ رحمه الله _ : "فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ المَسْطُورُ المَكْتُوبُ المُوعَى فِي القُلُوبِ، فَهُوَ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، لَيْسَ بِخَلْقٍ." (خلق أفعال العباد)
وقال الإمام الصابوني _ رحمه الله _ : "وَيَشْهَدُ أَصْحَابُ الحَدِيثِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ القُرآنَ كَلَامُ اللهِ وَكِتَابُهُ وَخِطَابُهُ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ... وَهُوَ الَّذِي تَحْفَظُهُ الصُّدُورُ، وَتَتْلُوهُ الأَلْسِنَةُ، وَيُكْتَبُ فِي الْمَصَاحِفِ، كَيْفَ مَا تُصُرِّفَ، بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ، وَلَفْظِ لَافِظٍ، وَحِفْظِ حَافِظٍ، وَحَيْثُ تُلِيَ، وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قُرِئَ، وَكُتِبَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَأَلْوَاحِ صِبْيَانِهِمْ، وَغَيْرِهَا، كُلُّهُ كَلَامُ اللهِ _ جَلَّ جَلَالُهُ _ ، وَهُوَ القُرآنُ بِعَيْنِهِ الَّذِي نَقُولُ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ العَظِيمِ." (عقيدة السلف وأصحاب الحديث).
وقد أجمع السلف على هذا الاعتقاد، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ ، وهو يسرد العقائد التي اتفق عليها السلف الصالح: "وَأَنَّ مَا بَيْنَ لَوْحَي الْمُصْحَفِ الَّذِي كَتَبَهُ الصَّحَابَةُ _ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ _ كَلَامُ اللهِ." (مجموع الفتاوي 1236/12)
وقوله _ رحمه الله _ : "وَالقُرْآنُ الَّذِي بَيْنَ لَوْحَي الْمُصْحَفِ مُتَوَاتِرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْمَكْتُوبَةَ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ، وَنَقَلُوهَا قُرْآنًا عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ، نَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّهَا مَا غُيِّرَتْ." (569/12)
وقد كفَروا من يقول هذا الكلام، كما قال الإمام البخاري _ رحمه الله _ : "وَأَقُولُ فِي المُصْحَفِ قُرْآنٌ، وَفِي صُدُورِ الرِّجَالِ قُرْآنٌ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الكُفْرِ." (كما في فتاوي ابن تيمية 182/4)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع