من سنن الله أن يرسل الفتن لتتكشف بها حقيقة كل مُدَّع فيظهر بذلك صدقه من عدمه.
قال عز و جلَّ :
( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
(سورة العنكبوت - الآيتان 1 و 2) .
قال الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية : "يخبر عزَّ و جلَّ عن تمام حكمته و أن حكمته تقتضي أنَّ كل من قال : إنه مؤمن و ادعى لنفسه الإيمان أن لا يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن و المحن و لا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم و فروعه فإنهم لو كان الأمر كذلك لم يتميز الصادق من الكاذب و المحق من المبطل.
و لكن سنته و عادته في الأولين و في هذه الأمة أن يبتليهم بالسرّاء و الضرّاء و العسر و اليسر و المنشط و المكره و الغنى و الفقر و إدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان و مجاهدة الأعداء بالقول و العمل و نحو ذلك من الفتن التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة و الشهوات المعارضة للإرادة.
فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه و لا يتزلزل و يدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة و الداعية إلى المعاصي و الذنوب أو الصارفة عن أمر الله به و رسوله يعمل بمقتضى الإيمان و يجاهد شهوته دلَّ ذلك على صدق إيمانه و صحته.
و من كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكًا و ريبًا و عند إعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصرفه عن الواجبات دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه و صدقه.
و الناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلاَّ الله، فمستقل و مستكثر.
فنسأل الله عزَّ و جلَّ أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و أن يثبت قلوبنا على دينه فالإبتلاء و الإمتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها و طيبها".
--------
تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان
للعلامة عبد الرحمان السعدي