قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله
في منهاج السنة النبوية (5 / 240-249)
في معرض كلامه
على التعامل مع أهل البدع المغلَّظة وغيرهم وتكفيرهم :
"وهكذا
الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم إن لم يقصد فيه بيان الحق وهدى الخلق
ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحاً.
وإذا
غلَّظ في ذم بدعة و معصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد كما في
نصوص الوعيد وغيرها.
وقد يهجر
الرجل عقوبة وتعزيزاً ، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفى
والإنتقام ، كما هجر النبي أصحابه
الثلاثة الذي خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون
وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق .
وهذا مبني على مسألتين :
إحداهما : أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه - كما تقوله الخوارج - بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه كما يقوله المعتزلة .
الثاني : أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية .
وهذا مبني على مسألتين :
إحداهما : أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه - كما تقوله الخوارج - بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه كما يقوله المعتزلة .
الثاني : أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية .
وأما
مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها .وهذا القول لا يعرف عن أحد من
الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من
أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم ، كالخوارج والمعتزلة
والجهمية .
ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .
وقد يسلكون في التكفير ذلك ، فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقاً ، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع ، وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية .
وهذا القول أيضا يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة ، وليس هو قول الأئمة الأربعة ولا غيرهم ، وليس فيهم من كفر كل مبتدع .
بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك .
ولكن قد ينقل عن أحدهم أنه كفر من قال بعض الأقوال ، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر .
ولا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله ، مع الجهل والتأويل .فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه ، وذلك له شروط وموانع كما بسطناه في موضعه .
ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .
وقد يسلكون في التكفير ذلك ، فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقاً ، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع ، وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية .
وهذا القول أيضا يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة ، وليس هو قول الأئمة الأربعة ولا غيرهم ، وليس فيهم من كفر كل مبتدع .
بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك .
ولكن قد ينقل عن أحدهم أنه كفر من قال بعض الأقوال ، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر .
ولا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله ، مع الجهل والتأويل .فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه ، وذلك له شروط وموانع كما بسطناه في موضعه .
وإذا لم
يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين ، فيكونون من المؤمنين فيستغفر لهم
ويترحم عليهم ، وإذا قال المؤمن : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ) يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان ، وإن كان
قد أخطأ في تأويل تأوَّله ، فخالف السنة ، أو أذنب ذنبا ، فإنه من إخوانه الذين
سبقوه بالإيمان ، فيدخل في العموم .
وإن كان
من الثنتين والسبعين فرقة ، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا ، بل
مؤمنين ، فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد ، كما يستحقه عصاة المؤمنين .
والنبي لم
يخرجهم من الإسلام ، بل جعلهم من أمته ، ولم يقل إنهم يخلدون في النار .
فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته .فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة ، من جنس بدع الرافضة والخوارج .
وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم - عليُّ بن أبي طالب وغيره - لم يكفِّروا الخوارج الذين قاتلوهم ، بل أوَّل ما خرجوا عليه ، وتحيَّزوا بحروراء ، وخرجوا عن الطاعة والجماعة قال لهم علي بن أبي طالب : إنَّ لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ، ولا حقكم من الفيء ، ثم أرسل إليهم ابن عباس ، فناظرهم فرجع نحو نصفهم ، ثم قاتل الباقي وغلبهم .
ومع هذا لم يسب لهم ذرية ، ولا غنم لهم مالاً ، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين كمسيلمة الكذاب وأمثاله.
بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة ، ولم ينكر أحد على عليٍّ ذلك .
فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام .
قال الإمام محمد بن نصر المروزي : وقد ولى علي رضي الله عنه قتال أهل البغي.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روى ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين ، وكذلك عمار بن ياسر .
وقال محمد بن نصر أيضا حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا يحيى ين آدم عن مفضل بن مهلهل عن الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عليٍّ حين فرغ من قتال أهل النهروان ، فقيل له : أمشركون هم ؟
قال : من الشرك فرُّوا .
فقيل : فمنافقون ؟
قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً .
قيل : فما هم ؟!
قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم .
وقال محمد بن نصر أيضا حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن مسعر عن عامر بن سفيان عن أبي وائل قال : قال رجل من دُعي إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركون ؟
فقال علي : من الشرك فرُّوا !
قال : المنافقون .
قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا .
قال : فما هم ؟
قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم .
قال : حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن أبي خالدة عن حكيم بن جابر قال : قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان : أمشركون هم ؟
قال : من الشرك فروا .
قيل : فمنافقون ؟
قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا .
قيل : فما هم ؟
قال : قوم حاربونا فحاربناهم ، وقاتلونا فقاتلناهم .
قلت : الحديث الأول وهذا الحديث = صريحان في أن علياً قال هذا القول في الخوارج الحرورية ، أهل النهروان ، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي في ذمهم ، والأمر بقتالهم ، وهم يكفِّرون عثمان وعلياً ، ومن تولاهما ، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ، ودارهم دار كفر ، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم .
قال الأشعرى وغيره : " أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب " .
ومع هذا عليٌّ قاتلهم لما بدؤوه بالقتال ، فقتلوا عبد الله بن خباب ، وطلب علي منهم قاتله ، فقالوا : كلُّنا قتله .
وأغاروا على ماشية الناس .
ولهذا قال فيهم : قوم قاتلونا فقاتلناهم وحاربونا فحاربناهم .
وقال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم .
وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ، فإنهم بغاة على جميع المسلمين ، سوى من وافقهم على مذهبهم ، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال ، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال ، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق .
فإن إولئك إنما مقصودهم المال ، فلو أعطوه لم يقاتلوا ، وإنما يتعرَّضون لبعض الناس ، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين ، حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن .
ومع هذا فقد صرَّح علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ، ليسوا كفارا ولا منافقين .
فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته .فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة ، من جنس بدع الرافضة والخوارج .
وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم - عليُّ بن أبي طالب وغيره - لم يكفِّروا الخوارج الذين قاتلوهم ، بل أوَّل ما خرجوا عليه ، وتحيَّزوا بحروراء ، وخرجوا عن الطاعة والجماعة قال لهم علي بن أبي طالب : إنَّ لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ، ولا حقكم من الفيء ، ثم أرسل إليهم ابن عباس ، فناظرهم فرجع نحو نصفهم ، ثم قاتل الباقي وغلبهم .
ومع هذا لم يسب لهم ذرية ، ولا غنم لهم مالاً ، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين كمسيلمة الكذاب وأمثاله.
بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة ، ولم ينكر أحد على عليٍّ ذلك .
فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام .
قال الإمام محمد بن نصر المروزي : وقد ولى علي رضي الله عنه قتال أهل البغي.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روى ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين ، وكذلك عمار بن ياسر .
وقال محمد بن نصر أيضا حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا يحيى ين آدم عن مفضل بن مهلهل عن الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عليٍّ حين فرغ من قتال أهل النهروان ، فقيل له : أمشركون هم ؟
قال : من الشرك فرُّوا .
فقيل : فمنافقون ؟
قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً .
قيل : فما هم ؟!
قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم .
وقال محمد بن نصر أيضا حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن مسعر عن عامر بن سفيان عن أبي وائل قال : قال رجل من دُعي إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركون ؟
فقال علي : من الشرك فرُّوا !
قال : المنافقون .
قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا .
قال : فما هم ؟
قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم .
قال : حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن أبي خالدة عن حكيم بن جابر قال : قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان : أمشركون هم ؟
قال : من الشرك فروا .
قيل : فمنافقون ؟
قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا .
قيل : فما هم ؟
قال : قوم حاربونا فحاربناهم ، وقاتلونا فقاتلناهم .
قلت : الحديث الأول وهذا الحديث = صريحان في أن علياً قال هذا القول في الخوارج الحرورية ، أهل النهروان ، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي في ذمهم ، والأمر بقتالهم ، وهم يكفِّرون عثمان وعلياً ، ومن تولاهما ، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ، ودارهم دار كفر ، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم .
قال الأشعرى وغيره : " أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب " .
ومع هذا عليٌّ قاتلهم لما بدؤوه بالقتال ، فقتلوا عبد الله بن خباب ، وطلب علي منهم قاتله ، فقالوا : كلُّنا قتله .
وأغاروا على ماشية الناس .
ولهذا قال فيهم : قوم قاتلونا فقاتلناهم وحاربونا فحاربناهم .
وقال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم .
وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ، فإنهم بغاة على جميع المسلمين ، سوى من وافقهم على مذهبهم ، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال ، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال ، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق .
فإن إولئك إنما مقصودهم المال ، فلو أعطوه لم يقاتلوا ، وإنما يتعرَّضون لبعض الناس ، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين ، حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن .
ومع هذا فقد صرَّح علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ، ليسوا كفارا ولا منافقين .
وهذا
بخلاف ما كان يقوله بعض الناس كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه ، يقولون : لا
نكفِّر إلاّ من يكفِّر).
فإنَّ
الكفر ليس حقا لهم ، بل هو حق لله ، وليس للإنسان أن يكذب على من
يكذب عليه ، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله ، بل ولو استكرهه
رجل على اللواطة لم يكن له أن يستكرهه على ذلك ، ولو قتله بتجريع خمر ، أو تلوط به
لم يجز قتله بمثل ذلك ؛ لأن هذا حرام لحق الله تعالى .
ولو سب النصارى نبينا لم يكن لنا أن نسبُّ المسيح .
والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر فليس لنا أن نكفر عليا .
وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين ، فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا .
وقد روى عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا .
قال إسحاق بن راهويه : حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : سمع عليٌّ يوم الجمل أو يوم صفين رجلا يغلو في القول .
فقال : لا تقولوا إلا خيرا ، إنما هم قوم زعموا ، إنا بغينا عليهم ، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم .
فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح فقال : ما كان أغناه عن ذلك .
وقال محمد بن نصر حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد بن راشد عن مكحول : أنَّ أصحاب عليٍّ سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ، ما هم ؟
قال : هم مؤمنون .
وبه قال أحمد بن خالد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الواحد بن أبي عون قال : مرَّ عليٌّ وهو متَّكىءٌ على الأشتر على قتلى صفين ، فإذا حابس اليماني مقتول ، فقال الأشتر : إنا لله وإنا اليه راجعون ، هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين ، عليه علامة معاوية ، أما والله لقد عهدته مؤمناً .
قال علي : والآن هو مؤمن .
قال : وكان حابس رجلا من أهل اليمن من أهل العبادة والاجتهاد .
قال محمد بن يحيى حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مختار بن نافع عن أبي مطر قال: قال علي : متى ينبعث أشقاها ؟
قيل : من أشقاها ؟
قال : الذي يقتلني .
فضربه ابن ملجم بالسيف ، فوقع برأس علي رضي الله عنه ، وهمَّ المسلمون بقتله ، فقال : لا تقتلوا الرجل ، فإن برئت فالجروح قصاص ، وإن مِتُّ فاقتلوه .
فقال : إنك ميت .
قال : وما يدريك قال كان سيفي مسموما .
وبه قال محمد بن عبيد حدثنا الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن رباح بن الحارث قال : إنَّا لبواد وإن ركبتي لتكاد تمس ركبة عمار بن ياسر إذ أقبل رجل ، فقال : كفر والله أهل الشام .
فقال عمار : لا تقل ذلك ، فقبلتنا واحدة ، ونبينا واحد ، ولكنهم قوم مفتونون فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق .
وبه قال ابن يحيى حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الحسن بن الحكم عن رباح بن الحرث عن عمار بن ياسر قال : ديننا واحد ، وقبلتنا واحدة ، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم .
قال ابن يحيى حدثنا يعلى حدثنا مسعر عن عبد الله بن رباح عن رباح بن الحارث قال : قال عمار بن ياسر : لا تقولوا كَفَرَ أهلُ الشام ، قولوا : فسَقُوا ، قولوا : ظلمُوا .
قال محمد بن نصر : وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار ابن ياسر أنه قال لعثمان بن عفان : ( هو كافر ) خبر باطل ، لا يصح ؛ لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دعم عثمان فهو لتكفير عثمان أشد إنكاراً .
قلت : والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك أنكر عليه علي ، وقال : أتكفر برب آمن به عثمان ، وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول ، فيكون عمار إن كان قال ذلك متأولا ، فقد رجع عنه حين بيَّن له علي رضي الله عنه أنه قول باطل .
ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلُّون خلفهم ، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلُّون خلف نجْدة الحروري.
وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم ، كما يخاطب المسلم المسلم ، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل.
وحديثه في البخاري .
وكما أجاب نافعَ بنَ الأزرق عن مسائل مشهورة ، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان .
وما زالت سيرة المسلمين على هذا .
ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه .
هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة ، وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه ، في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره .
أي : أنهم شر على المسلمين من غيرهم ، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى ، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم ، وقتل أولادهم ، مكفرين لهم ، وكانوا متدينين بذلك ، لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة .
ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ، ولا جعلوهم مرتدين ، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل ، بل اتقوا الله فيهم ، وساروا فيهم السيرة العادلة .
وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم ، فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان .
مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين ، وقد ضعَّفه ابن حزم وغيره لكن حسنه غيره أو صحَّحه كما صحَّحه الحاكم وغيره .
وقد رواه أهل السنن وروي من طرق .
وليس قوله : ( ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ) بأعظم من قوله تعالى : ( إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) ، وقوله: ( من يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار .
ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب ، أو كانت له حسنات محت سيئاته ، أو كفر الله عنه بمصائب ، أو غير ذلك كما تقدم .
بل المؤمن بالله ورسوله باطنا وظاهرا الذي قصد اتباع الحق ، وما جاء به الرسول إذا أخطأ ولم يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة ، من المتعمد العالم بالذنب ، فإن هذا عاص مستحقٌّ للعذاب بلا ريب .
وأما ذلك فليس متعمدا للذنب ، بل هو مخطىءٌ ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان ... ".
ولو سب النصارى نبينا لم يكن لنا أن نسبُّ المسيح .
والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر فليس لنا أن نكفر عليا .
وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين ، فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا .
وقد روى عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا .
قال إسحاق بن راهويه : حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : سمع عليٌّ يوم الجمل أو يوم صفين رجلا يغلو في القول .
فقال : لا تقولوا إلا خيرا ، إنما هم قوم زعموا ، إنا بغينا عليهم ، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم .
فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح فقال : ما كان أغناه عن ذلك .
وقال محمد بن نصر حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد بن راشد عن مكحول : أنَّ أصحاب عليٍّ سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ، ما هم ؟
قال : هم مؤمنون .
وبه قال أحمد بن خالد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الواحد بن أبي عون قال : مرَّ عليٌّ وهو متَّكىءٌ على الأشتر على قتلى صفين ، فإذا حابس اليماني مقتول ، فقال الأشتر : إنا لله وإنا اليه راجعون ، هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين ، عليه علامة معاوية ، أما والله لقد عهدته مؤمناً .
قال علي : والآن هو مؤمن .
قال : وكان حابس رجلا من أهل اليمن من أهل العبادة والاجتهاد .
قال محمد بن يحيى حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مختار بن نافع عن أبي مطر قال: قال علي : متى ينبعث أشقاها ؟
قيل : من أشقاها ؟
قال : الذي يقتلني .
فضربه ابن ملجم بالسيف ، فوقع برأس علي رضي الله عنه ، وهمَّ المسلمون بقتله ، فقال : لا تقتلوا الرجل ، فإن برئت فالجروح قصاص ، وإن مِتُّ فاقتلوه .
فقال : إنك ميت .
قال : وما يدريك قال كان سيفي مسموما .
وبه قال محمد بن عبيد حدثنا الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن رباح بن الحارث قال : إنَّا لبواد وإن ركبتي لتكاد تمس ركبة عمار بن ياسر إذ أقبل رجل ، فقال : كفر والله أهل الشام .
فقال عمار : لا تقل ذلك ، فقبلتنا واحدة ، ونبينا واحد ، ولكنهم قوم مفتونون فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق .
وبه قال ابن يحيى حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الحسن بن الحكم عن رباح بن الحرث عن عمار بن ياسر قال : ديننا واحد ، وقبلتنا واحدة ، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم .
قال ابن يحيى حدثنا يعلى حدثنا مسعر عن عبد الله بن رباح عن رباح بن الحارث قال : قال عمار بن ياسر : لا تقولوا كَفَرَ أهلُ الشام ، قولوا : فسَقُوا ، قولوا : ظلمُوا .
قال محمد بن نصر : وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار ابن ياسر أنه قال لعثمان بن عفان : ( هو كافر ) خبر باطل ، لا يصح ؛ لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دعم عثمان فهو لتكفير عثمان أشد إنكاراً .
قلت : والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك أنكر عليه علي ، وقال : أتكفر برب آمن به عثمان ، وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول ، فيكون عمار إن كان قال ذلك متأولا ، فقد رجع عنه حين بيَّن له علي رضي الله عنه أنه قول باطل .
ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلُّون خلفهم ، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلُّون خلف نجْدة الحروري.
وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم ، كما يخاطب المسلم المسلم ، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل.
وحديثه في البخاري .
وكما أجاب نافعَ بنَ الأزرق عن مسائل مشهورة ، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان .
وما زالت سيرة المسلمين على هذا .
ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه .
هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة ، وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه ، في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره .
أي : أنهم شر على المسلمين من غيرهم ، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى ، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم ، وقتل أولادهم ، مكفرين لهم ، وكانوا متدينين بذلك ، لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة .
ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ، ولا جعلوهم مرتدين ، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل ، بل اتقوا الله فيهم ، وساروا فيهم السيرة العادلة .
وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم ، فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان .
مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين ، وقد ضعَّفه ابن حزم وغيره لكن حسنه غيره أو صحَّحه كما صحَّحه الحاكم وغيره .
وقد رواه أهل السنن وروي من طرق .
وليس قوله : ( ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ) بأعظم من قوله تعالى : ( إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) ، وقوله: ( من يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار .
ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب ، أو كانت له حسنات محت سيئاته ، أو كفر الله عنه بمصائب ، أو غير ذلك كما تقدم .
بل المؤمن بالله ورسوله باطنا وظاهرا الذي قصد اتباع الحق ، وما جاء به الرسول إذا أخطأ ولم يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة ، من المتعمد العالم بالذنب ، فإن هذا عاص مستحقٌّ للعذاب بلا ريب .
وأما ذلك فليس متعمدا للذنب ، بل هو مخطىءٌ ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان ... ".
إلى
أن قال رحمه الله :
"
ولهذا
قال الشافعي : ( لأن أتكلم في علم يقال لي فيه أخطأت أحب إلي من أن
أتكلم في علم يقال لي فيه كفرت).
ومن عيوب أهل البدع
تكفير بعضهم بعضا .
ومن ممادح أهل العلم
أنهم يخطِّئون ولا يكفِّرون .
وسبب ذلك : أنَّ أحدهم قد يظنُّ ما ليس بكفر كفرا ، وقد يكون كفرا ؛ لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول ، وسب للخالق .
والآخر لم يتبين له ذلك ، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله .
والناس لهم فيما يجعلونه كفرا طرق متعددة ...".
وسبب ذلك : أنَّ أحدهم قد يظنُّ ما ليس بكفر كفرا ، وقد يكون كفرا ؛ لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول ، وسب للخالق .
والآخر لم يتبين له ذلك ، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله .
والناس لهم فيما يجعلونه كفرا طرق متعددة ...".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع