قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي، رحمه الله :
اِعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل، لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر. وقبيح بمن أعطى شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة.
و اعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص، فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال وهذا عين الضلال لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل ، كما قال علي رضي الله عنه للحرث بن حوط وقد قال له "أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل؟" فقال له : "يا حارث إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال، اِعرف الحق تعرف أهله".
وكان أحمد بن حنبل يقول : "مِن ضِيقِ علم الرجل أن يقلد في اعتقاده رجلا". ولهذا أخذ أحمد بن حنبل يقول : "زيد في الجد" وترك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
فإن قال قائل : "فالعوام لا يعرفون الدليل، فكيف لا يقلدون؟" فالجواب : إن دليل الاعتقاد ظاهر على ما أشرنا إليه في ذكر الدهرية ومثل ذلك لا يخفى على عاقل. وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها واعتاص على العامي عرفانها وقرب لها أمر الخطأ فيها كان أصلح ما يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سبر و نظر. إلا أن اجتهاد العامي في اختيار من يقلده.
-------------------------
تلبيس إبليس - ابن الجوزي رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع