" ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.
وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
وأصل كل فتنة : إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، والهوى على العقل.
ففتنة الشبهات تدفع باليقين ، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
فدل على أنه بالصبر واليقين؛ تنال الإمامة في الدين.
وجمع بينهما أيضا في قوله: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}؛ فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات وجمع بينهما في قوله: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار}؛
فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله ، والأبصار: البصائر في أمر الله.
وعبارات السلف تدور على ذلك:
- قال ابن عباس: أولي القوة في طاعة الله والمعرفة بالله.
- وقال الكلبي: أولي القوة في العبادة والبصر فيها.
- وقال مجاهد: الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: البصر في الحق.
- وقال سعيد بن جبير: الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصرهم بما هم فيه من دينهم.وقد جاء في حديث مرسل: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة ، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان" انتهى.
"إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (123/2-124)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع