"وقد ذكرت الأوائل في صفة المنقطع [أي : حجته] ، وجوهاً نذكرها
وهي:
أن يقصد إبطال الحق أو التشكك
فيه ، ومن هذا النوع : أن يحيلَ في جواب ما يسأل عنه ، على أنه ممتنع غير ممكن.
والثاني :
أن يستعمل البهت والرقاعة والمجاهرة بالباطل ، ولا يبالي بتناقض قوله ، ولا بفساد ما
ذهب إليه ، ومن ذلك : أن يحكمَ بحكمٍ ثم ينقضه.
والثالث : الانتقال
من قولٍ وسؤالٍ إلى سؤالٍ على سبيل التخليطِ ، لا على سبيل الترك والإبانة.
والرابع :
أن يستعمل كلاماً مستغلقاً يظن العاقل أنه مملوء حكمة ، وهو مملوء هذراً.
ومن أقرب ما حضرني ذكره حين كتابي
هذا الشأن من كتب الناس : فكتاب أبي الفرج القاضي المسمى " باللمع " ، فانه
مملوء كلاماً معقداً مغلقاً لا معنى له ، إلَّا التناقض ، والبناء ، والهدم لما بنى.
وفي زماننا من سلك هذه الطريق
في كلامه ، فلعمري لقد أوهم خلقاً كثيراً أنه ينطق بالحكمة واعمري ! أن أكثر كلامه
، ما يفهمه هو ، فكيف غيره.
والخامس :
أن يحرج خصمه ويلجئه إلى تكَرارٍ ، بلا زيادةِ فائدةٍ ؛ لأنه يرجع إلى الموضوع الذي
طرد عنه ، ويلوذ حواليه ، ولا تقوى ، ولا مزيداً أكثر من وصف قوله بلا حجة.
والسادس :
الإيهام بالتضاحك والصياح ، والمحاكاة والتطييب ، والاستجهال والجفاء ، وربما بالسب
، والتكفير ، واللعن ، والسفه ، والقذف بالأمهات والآباء ، وبالحري إن لم يكن لطام
وركاض.
وأكثر هذه المعاني ؛ ليست تكاد
تجد في أكثر أهل زماننا غيرها. والله المستعان".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع