الجمعة، 16 أغسطس 2013

الفرق بين الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وبين تغيير المنكر - محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى


يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
 في شرح العقيدة السَّفّارينية :

181- فاصبر وزل باليد واللسان            لمنكر واحذر من النقصان
______________________________________________
الشرح
قوله رحمه الله  : ( فاصبر ) ، الصبر : حبس النفس عن التسخط وعن الحجام ، فلا تحجم ولا تتسخط ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : في سورة لقمان : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)  فلابد من صبر .
وإنما أمر الله بالصبر عند ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارة إلى أن  الآمر والناهي سوف يلقى الأذى ، وربما يلقى الضرر ، فيقال للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مثلاً : هذا متشدد ، هذا مطوع ، ويقال هذا على سبيل السخرية ، وسيتكلم الناس عليه بكلام كثير .
فموقف الآمر الناهي في ذلك كله هو الصبر ، وليعلم أنه ما أوذي أذية في ذلك إلا كتب الله له فيها أجراً ، وقربه إلى العاقبة الحميدة ، لأن الله تعالى قال : (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49) .

وكلما اشتد الأذى قرب الفرج ، ومعنى قرب الفرج : أن يفرج الله عنه معنى وحساً ، أما التفريج حسا فظاهر ؛ بأن يزول عنه الكبت والمنع والأذى ، وأما معنى - وهو أهم - فبأن يشرح الله صدره ، ويعطيه الطمأنينة في قلبه ، ويصبر ويحتسب ، ويرى العذاب في ذات الله عذباً.
ويقال إن شيخ الإسلام رحمه الله لما حبسوه وأغلقوا عليه الباب ، قال ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد: الآية13) وقال رحمه الله  : (( ما يصنع أعدائي بي ؛ إن حبسي خلوة ، ونفيي سياحة ، وقتلي شهادة )) أي حال يفعلونها بي فهي خير لي.
وهذا أيضاً مما يفرج الله به عن الإنسان إذا كبت وأوذي وعذب في ذات الله ، فمن أقوى التفريج عنه أن يشرح الله صدره لما وقع عليه ، وكأن شيئاً لم يكن .
لذا نقول للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر : اصبر على الأذى فالفرج قريب ، ولا تيأس من رحمة الله ، أنت تقاتل بسيف الله ، وإنك تدعو بدعوة الله ، فاحتسب ، ولو شق عليك نفسياً أو جسمياً فاصبر واصبر .
قوله(وزل باليد واللسان) زل أصلها أزل (لمنكر واحذر من النقصان) هذا مرتبة أخرى غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه هي مسألة التغير ، والتغير ليس كالأمر والنهي .
ولكي يتبين لنا الفرق بين الأمر أو النهي والتغيير نضرب مثالاً بشخص رأى آخر معه زمارة من آلات اللهو ؛ يزمر بها ويرقص عليها ، فقال له : يا فلان اتق الله ، هذا حرام ولا يحل ، فهذا نسميه نهياً عن المنكر ، وإذا جاءه مرة أخرى فرآه أيضاً معه الزمارة فأخذها وكسرها ، فهذا يسمى تغييراً ، إذاً فمقام المغير أقوى من مقام الآمر والناهي .
وكذلك إذا رأيت رجلاً لايصلي مع الجماعة مع وجوبها عليه ، فقلت له : يا أخي اتق الله وأقم الصلاة مع المسلمين ، فهذا يسمى أمراً بالمعروف ، ثم إذا جئت مرة ثانية ووجدته لم يخرج من بيته فقرعت الباب عليه ، فإذا أبى كسرت الباب ثم جررته إلى المسجد ، فهذا تغيير .
لكن هذا الأخير ليس كل أحد يطيقه على خلاف الأول ، فكل أحد يطيقه إلا ما ندر ، ولهذا جاء التعبير النبوي : (( فإن لم تستطع )) ولم يأت حديث واحد فيه : ( مروا بالمعروف فإن لم تستطيعوا ) فدل ذلك أن التغيير شيء والأمر شيء آخر .
وقوله : ( فاصبر وزل باليد واللسان ) واليد في وقتنا هذا لا تكون إلا من ذي سلطان ، وإنما كان الأمر كذلك لئلا يصبح الناس فوضى .
وعلى كل حال فنحن نقول : إن التغيير شيء لا يكون إلا من ذي سلطان وهو حق ؛ لأنه لو جعل التغيير باليد لكل إنسان لأصبح من رأى ما يظنه منكراً منكراً عنده ، فأتلف أموال الناس من أجل أنه منكر ، فمثلاً يرى بعض الناس أن المذياع منكر ، فإذا مر هذا برجل قد فتح المذياع يسمع الأخبار ، وقلنا غير باليد ، فإنه يكسر المذياع مع أنه ليس له حق في أن يكسره .
فلو جعل التغيير في وقتنا الحاضر لغير ذي سلطان لأصبح الناس فوضى ، وتقاتل الناس فيما بينهم .
ومنذ سنوات حدث أن دخل حاج من الحجاج إلى مسجد مطار جدة ومعه مذياع ، فقام رجل حبيب طيب ينهى عن المنكر أمام المصلين ، وقال : نعوذ بالله ؛ يأتي أحدكم بالمذياع مزمار الشيطان ويجعله معه في المسجد ... وهو مذياع فيه تسجيل . فهذا لعله يسمع أخباراً يسجلها تنفعه ، فقام الحاج يتكلم كلاماً عظيماً منبهراً : هل هذا حرام؟! نحن جئنا لنحج ولا نبتغي الحرام.
فقلت لهم : اطمئنوا فإنه حلال إن شاء الله ، لكن إياكم أن تفتحوه على الأغاني والموسيقى ، فإن هذا حرام ، أما الأخبار والقرآن والحديث فهذا ليس فيه شيء ، فالقرآن والحديث طيب والأخبار من الأمور المباحة ، فأقول : إن بعض الناس يظن ما ليس منكراً منكرا ، فلو قلنا : غير باليد ، كسر هذا المذياع أو المسجل أو الذي يرى أنه منكر .
ولهذا نقول : الإزالة باليد أو التغيير باليد في الوقت الحاضر لايكون إلا من ذي سلطان ، والسلطان من أعطاه ولي الأمر صلاحية في ذلك ، وعلى هذا فرجال الحسبة الموجودون عندنا يكون لهم السلطة .
وقوله : ( فاصبر ) ، اصبر أمر بالصبر ، لأن  المقام يحتاج إلى الصبر ولهذا قال الله تعالى : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)
.... وزل باليد واللسان           لمنكر واحذر من النقصان
هذه مراتب التغيير غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد سبق أن هناك ثلاث مراتب ؛ الدعوة والأمر والنهي والتغيير .
فالدعوة أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل ترغيباً وترهيباً ،دون أن يوجه أمراً معينا لشخص معين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما يوجه إلى شخص معين أو طائفة معينة وما أشبه ذلك ، لكن فيه أمر ؛ افعلوا ، اتركوا .
فلو قام رجل بعد صلاة الظهر مثلاً يدعو الناس ، ويرشدهم إلى الله ؛ يبين الحق ويرغب فيه ويبين الباطل ويحذر منه ، فإن هذا يقال : إنه داع إلى الله ، ولو رأينا رجلاً يقول لشخص : يا فلان افعل كذا ، يا فلان اتق الله ، اترك كذا ؛ فإن هذا آمرٌ وناهٍ.
أما التغيير فهو أن يغير الإنسان منكراً بنفسه ، بأن يكون دعا صاحب المنكر إلى تركه ولكن أبى ، أو أمر تارك المعروف أن يفعله ولكن أبى ، فهذا يغير ؛ بأن يُضرب ويحبس ويكسر آلة اللهو وما أشبه ذلك .
وقد قيد الرسول عليه الصلاة والسلام التغيير ، ولم يقيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : (( والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا )) ، وما قال : إن استطعتم ، لكن قال : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه))
إذاً فالتغيير غير الدعوة والأمر أو النهي ؛ فالتغيير فيه سلطة وقدرة ، والأب في بيته داعٍ آمر مغير ، لأن له سلطة ، ورجل الحسبة في المجتمع داعٍ وآمر ومغير ، لكن ليس التغيير لكل أحد ، فما كل أحد يستطيع أن يغير ، فقد يغير الإنسان ويلحقه من الضرر ما لا يعلمه إلا الله ، بل يلحق غيره أيضاً ممن لم يشاركه في التغيير كما هو الواقع .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله  هنا : ( زل باليد ) أي غير باليد ، فإن لم تستطع قال : ( واللسان ) ، والمؤلف رحمه الله  رتبها ترتيباً محلياً لا لفظياً ، فلم يأت بثم الدالة على الترتيب ، أو بالفاء ، أو ما أشبه ذلك ، لكن تقديم بعضها على بعض يدل على الترتيب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله . أبدا بما بدأ الله به ))، مع  أن الله قال : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة: الآية158) ولم يقل ثم المروة . إذاً فالأول : التغيير باليد ، والثاني : التغيير باللسان .
والتغيير باللسان ليس أن تقول : يا فلان لا تفعل هذا اتق الله ، بل أن تنتهره ، وأن تريه سلطة وقدرة استعلاء بالحق ، فهذا التغيير باللسان .
ثم قال المؤلف رحمه الله  : ( لمنكر واحذر من النقصان ) - النقصان هو أن تغير بالقلب ؛ لأنه اضعف الإيمان . لكن هل الإنسان يمكن أن يغير بالقلب ؟ ، الجواب : نعم ، يمكن ؛ بالكراهة للمنكر وعدم مخالطة فاعليه ، لقول الله تبارك وتعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ )(النساء: الآية140) إنكم إذاً - أي إذا قعدتم - مثلهم .
فإذا فرضنا أن قوماً يلعبون الشطرنج ومعهم رجل صالح ، فقال : يا قوم اتقوا الله ، هذا حرام لا يجوز ، قالوا : لن ندع هذا ، فلا يجوز أن يجلس معهم ، لكنهم إذا قالوا له : إن خرجت سنفعل بك كذا وكذا فجلس ، فلا يأثم لأنه مكره على الجلوس ، فإن قال : أنا لم اكره على الجلوس لكن أخشى إن ذهبت أن يقع بيني وبينهم عداوة ، فإننا نقول له : وليكن ، إنك إذا عاديتهم لله ، فإنه لا يضرك ، فإن قال : أخشى أن يقع بيني وبينهم قطيعة رحم ، فنقول : لا يقع بينك وبينهم قطيعة رحم ، صلهم أنت فإن صلة الرحم من قبلك ممكنة ، وليست متعذرة ، وأنت إذا وصلتهم وهم يقطعونك فكأنما تسفهم المل ، كما جاء في الحديث .
فالحاصل أن التغيير له ثلاث مراتب ؛ الأول باليد والثاني باللسان والثالث بالقلب ، ومعنى التغيير بالقلب : الكراهة وعدم المخالطة .
--------------------
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
المصدر: شرح العقيدة السفارينية
الباب السادس : في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/printer_18172.shtml

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقا أو استفسارا أو طلبا لكتاب تريد أن نضيفه للموقع